شهدت أسعار النفط انخفاضًا حادًا في مارس 2025 حيث تراجع خام برنت إلى أدنى مستوى له منذ عام 2021 مسجلاً أقل من 70 دولار للبرميل، جاء هذا الهبوط نتيجة عدة عوامل اقتصادية ومخاوف تجارية وجيوسياسية أثرت على الأسواق العالمية، مما أثار مخاوف المستثمرين بشأن مستقبل الطلب على النفط واستقرار الأسعار في الفترة المقبلة.
فى يوم الأربعاء (5 مارس) هبط خام برنت وهو المعيار الدولى بنسبة 3.6% ليصل إلي 68.50 دولار للبرميل مسجلًا أدني مستوي منذ 2021، وانخفض خام غرب تكساس الوسيط وهو المعيار الأمريكى بأكثر من 4% ليصل إلي 65.30 دولار للبرميل.
تراجعت أسعار تداول النفط مع انتشار حالة عدم اليقين الإقتصادي في الأسواق العالمية وردود الفعل على دخول التعريفات الجمركية المفروضة علي كندا والمكسيك والصين حيز التنفيذ الفعلي، بالإضافة إلى قرار أعضاء كارتل النفط أوبك بلس بالبدء فى زيادة مستويات الانتاج فى شهر أبريل.
منذ العام الماضى، أشارت أوبك بلس إلى نيتها لضخ المزيد من النفط، لكن القيام بهذا الأمر في الوقت الحالي وسط الاضطرابات الناجمة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين فاجأ العديد من المحللين.
قال كبير الاقتصاديين فى أرجوس ميديا وهى شركة أبحاث للسلع الأساسية فى لندن “ديفيد فايف”: أن المحللون كانوا يعتقدون أن أوبك بلس ستؤجل الزيادات نظرًا للتهديد الاقتصادي الكلى الناتج من التعريفات الجمركية”.
وفي إشارة أخري محتملة إلى ضعف الطلب، ارتفعت مخزونات النفط الخام الأمريكية بواقع 3.6 مليون برميل فى الأسبوع الأخير من شهر فبراير متخطيًا توقعات المحللين، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة، وبرغم ذلك، فإن هذه المخزونات حاليًا لا تزال أقل بنسبة 4% عن متوسطاتها على مدى خمس سنوات.
هناك الكثير من الإتجاهات المتضاربة المؤثرة علي أسعار النفط، فمعدلات استهلاك النفط حساس للغاية لأداء الاقتصاد العالمى والذي قد يشهد تباطؤ إذا اشتدت الحرب التجارية، مما يعيق التجارة والسفر الجوى والأنشطة الأخرى.
فى نفس الوقت، يريد الكثير من أعضاء أوبك بلس بما فى ذلك الامارات العربية المتحدة والعراق رفع مستوي الإنتاج بشكل جزئي للوفاء بالاتفاقيات مع المستثمرين الدوليين، لقد وقعت الدول المنتجة للنفط فى فخ سلسلة من الاتفاقات المعقدة، والتى يقول عنها المحللون أن الأسواق تكافح لمعرفة تفسير لها، لكن السوق يخشي أن ملايين البراميل من النفط يوميا التي يتم الاحتفاظ بها حاليا خارج السوق قد تعود في نهاية المطاف فى وقت يتزايد فيه استهلاك النفط العالمى بمعدل متواضع فقط.
بالإضافة إلي هذا، سيكون من الصعب تقييم التأثير الذي قد تخلفه استراتيجية الطاقة لإدارة ترامب علي أسواق النفط، إن العقوبات الأكثر صرامة علي المنتجين مثل فنزويلا وإيران من شأنها أن تقلل من الامدادات النفطية، لكن تقليص عمليات التنظيم في صناعة البترول فى الولايات المتحدة قد يؤدي إلى زيادة مستويات الانتاج، وكما أن ازالة القيود المفروضة علي النفط الروسي كجزء من الجهود الرامية إلى تحقيق اتفاق لوقف اطلاق النار فى الحرب فى أوكرانيا من شأنه أيضا أن يضيف إلي المعروض العالمي.
وفقا لإعلان أوبك يوم الاثنين (3 مارس) ستزيد أوبك بلس الإنتاج تدريجيا بإجمالي 2.2 مليون برميل يوميا أي ما يعادل نحو 2% من الامدادات العالمية تقريبًا، على مدى فترة تمتد حتي عام 2026، وقالت أوبك يوم الأحد إنها قد توقف أو حتى تعكس الزيادات إذا كانت الظروف تبرر ذلك.
قال رئيس قسم الجغرافيا السياسية فى شركة إنيرجي أسبكتس للأبحاث “ريتشارد برونز”: لدي أوبك بلس أفكار مفادها أن المنتجين يمكن أن يبدأوا فى تخفيف تخفيضات مستويات الانتاج لأنهم سيكون لديهم دائمًا المرونة للتعديل أو التوقف مؤقتًا في أي وقت لاحق من العام.
أبرز العوامل وراء هبوط أسعار النفط
1 .زيادة الإنتاج من قبل “أوبك بلس”
أعلنت منظمة أوبك وحلفاؤها (أوبك بلس) عن نيتها لزيادة الإنتاج في الأشهر المقبلة، مما يؤدي إلى ارتفاع المعروض في الأسواق العالمية وبالتالي ضغط على الأسعار، الجدير بالذكر أن بعض الدول المنتجة مثل روسيا والسعودية لم تلتزم تمامًا بسياسات خفض الإنتاج، مما زاد من وفرة النفط.
2 .ارتفاع المخزونات النفطية العالمية
كشفت تقارير عن ارتفاع مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عامين، مما أشار إلى ضعف الطلب وزيادة المعروض، في الصين، أظهرت البيانات الاقتصادية أن معدلات الاستهلاك لم تتعافَ كما كان متوقعًا بعد التباطؤ الاقتصادي في أواخر 2024.
3 .قوة الدولار الأمريكي
أدى تشديد السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة، مما عزز قيمة الدولار الأمريكي، ويجعل ارتفاع الدولار النفط أكثر تكلفة بالنسبة للدول التي تتعامل بعملات أخرى، مما يضعف الطلب على الخام.
4 .تزايد المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي
توقعات تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي خاصة في أوروبا والصين ساهمت في انخفاض الطلب على النفط، كما أن استمرار التوترات التجارية بين الاقتصادات الكبرى أثر على حركة التجارة والنقل مما انعكس سلبًا على استهلاك الوقود.
جولدمان ساكس يرى مخاطر سلبية على توقعات برنت وسط زيادة إنتاج أوبك بلس
يرى بنك جولدمان ساكس مخاطر سلبية على متوسط توقعاته لخام برنت لعامي 2025 و 2026 في أعقاب خطط أوبك بلس لزيادة إنتاج النفط في أبريل، بما في ذلك ضعف الطلب بناءً على بيانات النشاط الاقتصادي الأمريكي الأخيرة وتصعيد التعريفات الجمركية، وتعد زيادة الإنتاج في أبريل القادم هي الأولى منذ عام 2022 من أوبك بلس والتي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول بالإضافة إلى روسيا وحلفاء آخرين.
كان البنك يتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 78 – 73 دولار للبرميل ومتوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي حوالي 74 – 68دولار للبرميل لعامي 2025/2026، ومع ذلك، قد يكون المعروض النفطي أعلى من المتوقع خاصة إذا استمرت زيادات إنتاج أوبك بلس إلى ما هو أبعد من الحالة الأساسية لأربعة أشهر، حسبما قال البنك في مذكرة.
وأضاف البنك: نقدر أن ينخفض خام برنت إلى ما بين 60 و 65 دولار للبرميل بحلول نهاية عام 2026 في سيناريو محفوف بالمخاطر حيث يرتفع المعروض من أوبك بلس لمدة 18 شهر، كما يرى البنك بعض المخاطر السلبية لتوقعاته لنمو الطلب على النفط بمقدار 1.1 مليون برميل يوميًا في عام 2025 بناءً على البيانات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة وضعف الطلب على النفط في الصين وتصعيد التعريفات الجمركية، تسبب إعلان أوبك بلس في انخفاض أسعار النفط بنحو 2% إلى أدنى مستوى في 12 أسبوع.
وقال بنك باركليز في مذكرة إن قرار أوبك بلس بزيادة الإنتاج لا يبدو استجابة للطلب على النفط الأقوى من المتوقع، بل استجابة للضغوط السياسية المتزايدة وخاصة من إدارة ترامب.
بشكل منفصل، في يوم الثلاثاء الماضي (4 مارس) تم تطبيق الرسوم الجمركية التى قام بفرضها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” علي الواردات من كندا والمكسيك والتي تقدر بنحو 25%، بالإضافة إلى زيادة الرسوم الجمركية علي الواردات الصينية لتصل إلي 20% بدلًا من 10%.
قدر جولدمان ساكس أن الرسوم الجمركية على واردات النفط الكندية والمكسيكية إلى الولايات المتحدة أو الرسوم الجمركية على جميع واردات النفط الأمريكية لن تؤثر بشكل كبير على أسعار غرب تكساس الوسيط أو برنت ولكنها ستقلل بشكل كبير من سعر المنتج للنفط الخام الثقيل الأمريكي الخاضع للرسوم الجمركية وترفع أسعار المنتجات المكررة الأمريكية، وخاصة في المناطق الساحلية.
ماذا بعد؟ هل ستستمر الأسعار في الهبوط؟
مع استمرار العوامل الضاغطة على السوق، قد تبقى أسعار النفط عند مستويات منخفضة إذا لم تتخذ أوبك بلس أيه إجراءات لخفض الإنتاج أو إذا لم تظهر إشارات تحسن في الاقتصاد العالمي. ولكن في حال: خفض الإنتاج بشكل مفاجئ أو زيادة الطلب بسبب تحسن النشاط الاقتصادي فقد نشهد انتعاشًا في الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
تبقى التقلبات في سوق النفط أمرًا متوقعًا، مما يجعل من الضروري متابعة الأحداث الاقتصادية والسياسية عن كثب لتحديد اتجاه الأسعار في المستقبل.
العوامل التي ستؤثر على أسعار النفط في بقية عام 2025
شهدت أسعار النفط، وبالأخص خام برنت تراجعًا ملحوظًا إلى ما دون 70 دولار للبرميل في مارس 2025، مما أثار تساؤلات حول العوامل التي ستحدد مسار الأسعار خلال الفترة القادمة، هناك العديد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية التي ستؤثر على السوق، ومن أبرزها:
1 .العرض والطلب العالمي
تباطؤ الطلب العالمي: إذا استمر تباطؤ النمو الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، فقد ينخفض الطلب على النفط مما يؤدي إلى مزيد من الضغوط على الأسعار.
إنتاج أوبك بلس: سياسة إنتاج منظمة أوبك وحلفائها (أوبك بلس) سيكون لها تأثير كبير، حيث قد تقرر خفض الإنتاج للحفاظ على الأسعار أو زيادته لمواكبة الطلب.
الإنتاج الأمريكي: ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة يمكن أن يزيد المعروض في الأسواق، مما يضغط على الأسعار.
2 .السياسات النقدية وأسعار الفائدة
قرارات البنك الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى بشأن أسعار الفائدة تؤثر على تكلفة الاقتراض والاستثمار، مما ينعكس على النشاط الاقتصادي والطلب على النفط.
ارتفاع أسعار الفائدة قد يؤدي إلى ارتفاع الدولار الأمريكي، مما يجعل النفط أكثر تكلفة للمشترين الذين يتعاملون بعملات أخرى وبالتالي يضعف الطلب.
3 .التوترات الجيوسياسية
أي أزمات سياسية أو عسكرية في الدول المنتجة للنفط مثل الشرق الأوسط وروسيا أو أمريكا اللاتينية يمكن أن تؤثر على الإمدادات وترفع الأسعار.
استمرار العقوبات المفروضة على إيران أو روسيا قد يحد من إمدادات النفط العالمية، بينما أي تخفيف للعقوبات قد يزيد المعروض ويضغط على الأسعار.
4 .تحول الطاقة والاستثمارات في الطاقة البديلة
التوجه العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة والحد من الانبعاثات الكربونية يمكن أن يقلل من الاعتماد على النفط على المدى الطويل.
زيادة الاستثمار في السيارات الكهربائية والبنية التحتية للطاقة النظيفة قد تقلل من الطلب المستقبلي على النفط.
5 .المخزونات النفطية العالمية
ارتفاع مخزونات النفط في الولايات المتحدة والصين وأوروبا قد يكون إشارة على وفرة المعروض وضعف الطلب، مما يضغط على الأسعار، على العكس، أي انخفاض في المخزونات قد يشير إلى زيادة الطلب، مما قد يدفع الأسعار للارتفاع.
في الختام: يتوقف اتجاه أسعار النفط في 2025 على عدة عوامل متشابكة تشمل العرض والطلب والسياسات النقدية والتوترات التجارية والجيوسياسية والتحول نحو الطاقة النظيفة وحجم المخزونات النفطية، إذا استمرت التحديات الاقتصادية وانخفض الطلب فقد تبقى الأسعار منخفضة، ولكن في حالة حدوث اضطرابات في الإمدادات أو تدخلات من أوبك بلس لدعم الأسعار فقد نشهد انتعاشًا جديدًا في السوق.